د. التاد زائر
| موضوع: مراكز تكوين المعلمين والمعلمات بالمغرب سؤال الواقع والآفاق السبت 31 يناير 2009 - 17:58 | |
| تقديم حينما شرع فعليا في تطبيق مقتضيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين كانت مراكز تكوين المعلمين والمعلمات بالمغرب تؤشر على نوع من التراجع الملفت للنظر من خلال ما سرى فيها من عجز ويأس عن التجديد وعن القدرة على مواكبة مختلف المستجدات التي اقتضاها الإصلاح ، وقد برز ذلك واضحا في الاضطراب والغموض اللذين أصبحا يكتنفان العديد من مجالات التدبير ، لا سيما البيداغوجي منها ، لينعكس سلبا على مستوى أدائها ، وعلى مدخلات التكوين ومخرجاته ، بل وعلى العلاقات القائمة بين مختلف مكوناته ، ولعل المتأمل في وضعية التكوين يستطيع دون كبير جهد أن يتلمس مظاهر الاضطراب ويدركه انطلاقا من مختلف الإجراءات التي تهم سير عمليات التكوين باختلاف أشكاله ; والأسس التي تبنى عليها والتوجهات التي ترمي إليها .إن واقع مراكز التكوين على امتداد رقعة البلاد ، يشي برغبة واضحة - معلن أو غير معلن عنها - في الإجهاز عما تبقى من تراكمات ، على صعيد الوعي التربوي والبيداغوجي والشروط المؤسسة لهما ، خاصة بعد صدور النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية وتكوين الأطر ، وما اقتضاه من تدابير تنظيمية همت هيكلة المراكز وترتيب المسئوليات بها ، ومع قطع أشواط هامة في تفعيل الميثاق الوطني للتربية والتكوين .v عوامل التجديد بمراكز التكوين ومعيقاتهقد يبدو للمتتبع أن التكوين بمراكز تكوين أساتذة التعليم الابتدائي بالمغرب لا يختلف كثيرا في واقعه ، وفي أبعاده القانونية والتنظيمية ، وفي الأسس الفلسفية العامة المؤطرة له ، عما يطرد بمؤسسات التكوين الوطنية الأخرى ، وهذا صحيح إلى حد بعيد ، غير أن إجراءات تحديثه ظلت بطيئة ، بفعل عوامل ترتبط بما هو استراتيجي عام ، مثل نزعات الخوف والتردد التي تحكم المسئولين كلما دفعوا إلى التغيير ، خاصة إذا كان للأمر صلة بالحسابات المالية التي أريد لها أن تظل شحيحة حينما يتعلق الأمر بإعداد العنصر البشري ، مثلما أن تفعيل مختلف المراسيم والقوانين ظل رهين الإمكانيات والوسائل الضرورية ، وهي أمور طالما عطلت الكثير من بنود الميثاق الوطني للتربية والتكوين ، بل خلقت أحيانا إحساسا بالشك والارتياب في مدى صدقية تصورات وخطاب الحكومة في هذا المجال ، وقد كان لذلك انعكاسات سلبية على عملية الإصلاح برمتها .إن التدابير المتخذة على صعيد برامج التكوين لحد الآن والمنهجيات المؤطرة لها والوسائل المرصودة لتلك الغاية ، ظلت في عمومها شكلية وجزئية ، حيث لم تتعد استبدال مفاهيم بأخرى ، دون تمثل واضح لشروط إنتاج المفاهيم أو بنائها أو استعمالها ، في غياب شروط تكوين عميق يحقق الاستيعاب والتمثل قبل التوظيف ، بل إن هذا الوضع كثيرا ما سمح باستعمال سيئ للمفهوم برغبة واضحة في استثمار معطيات منهجية تظل أصولها النظرية مناقضة لما هو مطرد ، لكن هذه الرغبة نفسها كثيرا ما أفضت إلى التعامي عن شروط التوظيف وأساسيات البناء ودفعت إلى تجاهلهما ، وخير مثال على ذلك ما نلاحظه من اعتماد لمقاربات منهجية ، بتعليمات مؤسسية أحيانا وبدونها أحيانا أخرى مثل بيداغوجيا الأهداف ، أو بيداغوجيا الكفايات ، أو بيداغوجيا الفوارق ، أو بيداغوجيا المعارف وهي جميعها بيداغوجيات أفرزها انفتاح المدرسة المغربية على تجارب إنسانية في سياق التواصل الحضاري والإنساني ، وتعاون الدول والمنظمات ، وتبادل الخبرات والتثاقف ، والرغبة في التحديث ، تؤكد ذلك مختلف المذكرات والتعليمات الصادرة عن مراكز القرار البيداغوجي ذات الثقل المعنوي .غير أن إجراءات التفعيل والتطبيق غالبا ما كانت مفتقرة لوحدة الوعي والسند النظريين عند الفاعلين التربويين ، مما جعل بعضهم يغرد خارج السرب ، أو يسير معه مضطرا ، لكن دون استيعاب ، لتكون الحصيلة تكوينا مفتقدا لعناصر التناغم والانسجام ، سرعان ما تظهر تداعياته جلية على مستوى مخرجات التكوين بمختلف المراكز، وتجسدها ردود الفعل تجاه امتحانات التخرج ، لا سيما في السنوات الأخيرة ، حيث يتم تكييف فهم الأسئلة والأجوبة مع المنجز محليا ، مع ما يستتبع ذلك من إعراض عن الموضوعية التي طالما رددها المسئولون ، وحظيت بنقاش طويل في مختلف منتديات التكوين والتأطير ، دون أن تتجاوز مستوى الشعار. نفس الأمر يمكن أن يقال في المقاييس ووحدتها وفي تكافؤ الفرص ، وهي أمور غالبا ما يتحاشا الفاعلون التربويون الحديث عنها ، مادامت قواعد وضع الامتحانات ومعايير اختيار مواضيعها أمرا تجهله هيأة التأطير كليا في زمن التغني بالديمقراطية والشفافية .v الوضعية وانعكاساتها بين الواقع والآفاقإن الوضعية التي آلت إليها برامج التكوين بالمراكز وعمليات تدبيرها ، بالرغم من تعليق كل سلبياتها على مشجب انتقالية المرحلة ، تستدعي أن تتحمل كل الجهات المعنية بالتكوين وإعداد مدرسي المستقبل مسئولياتها كاملة في الأخطار المحدقة بجيل من الأساتذة والتلاميذ على حد سواء ، فالأساتذة الذين لم يتلقوا تكوينا هيكليا يؤهلهم معرفيا وتواصليا وبيداغوجيا لأداء مهماتهم على الوجه الأكمل لا يمكن أن يكسبوا التلاميذ الكفايات الأساسية والضرورية التي ما فتئت كل المناهج تنص عليها كما هو مثبت في الكتاب الأبيض ، كما أن التلاميذ بحكم كونهم ثمرة التكوين الذي تلقته هذه العينة من الأساتذة وفي مثل هذه الشروط، سيكونون فاقدين لكثير من المؤهلات التي تسهل عمليات اندماجهم الإيجابي في كثير من مجالات الحياة . إن الأساتذة المقبولين نهائيا للدخول إلى مراكز التكوين بالرغم من الشهادات المحصل عليها من طرفهم ، يفتقرون إلى الكفايات الأساسية التي تتطلبها مهمة التدريس ، مثل الكفايات المعرفية ، واللغوية ، والعلمية التي أبى واضعو منهاج التكوين عمليا إلا المرور السريع عليها تحت ضغط ضيق الوقت وثقل البرنامج ، مما يجعل مهمة النهوض بالتعليم وكسب رهان الجودة مهمة مؤجلة مرة أخرى إلى حين ، في مرحلة دقيقة تتميز أهم بالتسابق والمنافسة بين الدول والأمم لحماية أنظمتها التعليمية ، بما يجعلها قادرة على تجاوز مختلف مشاكلها ، ويؤهلها لمواجهة مختلف تحديات العصر ، سندها في ذلك ثروتها البشرية المؤهلة ، وبذلك يبقى الاقتصار شبه الكلي على تكوين مدرسي التعليم الابتدائي بيداغوجيا مسألة لا يمكن بأي حال أن تعطي مدرسين قادرين على ربح رهان الجودة التي تمثل الشعار المركزي في المراحل الأخيرة لعشرية الميثاق الوطني .أما الجسم البيداغوجي للمراكز والذي تمثله هيأة التأطير والتكوين ، فقد طاله النسيان أو كاد ، لا سيما بعد ما أصاب مهمة التفتيش بالمراكز من انحسار وعقم ، بفعل ضعف جهاز التفتيش برمته بعد أن أحيل الكثير من أفراده على التقاعد ، أو اختار المغادرة الطوعية ، أو بفعل التعقد الذي أصاب المهمة نفسها مع دخول أجيال جديدة من المؤطرين والمؤطرات ، لهم مؤهلات علمية تستدعي إعادة النظر في المهمة والناهضين بها على حد سواء ، وقد زاد المسألة تعقيدا إغلاق مركز تكوين المفتشين والمفتشات لما يقارب عقدين من الزمن ، مع ما تبع ذلك من ضعف أو غياب للبحث التربوي الذي يمد التكوين بعناصر القوة وينير له الدروب ودون التوفق في إيجاد بديل له ، سوى بعض الحلول الجزئية والترقيعية المتمثلة في التكليف دون سند علمي ولا قانوني . ولولا بعض اللقاءات المعزولة التي استفاد منها بعض المؤطرين بالمراكز ، في سياق التحسيس ببرنامج يراد اعتماده ، أو نهج بيداغوجي على الأبواب ، ولولا ما تهيأ لبعض المراكز من فرص الاستفادة من التكوين في إطار شراكة ربطت بين وزارة التربية الوطنية مع هذه الجهة أو تلك ، أو في إطار التعاون الذي جمع الوزارة نفسها مع بعض المنظمات الدولية ، للرفع من مستوى التمدرس ، وخاصة تمدرس الفتاة بالعالم القروي ، لأصاب أطر المراكز جمودا وتعطلت عن أداء رسالتها ، وفق ما تمليه شروط المرحلة . فقد أتيحت لقلة منهم فرص تلقوا فيها تكوينات هامة اطلعوا من خلالها على تجارب رائدة ، سرعان ما استهوتهم محاكاتها واستثمار نتائجها إيجابيا في البيئة المغربية . غير أن انتهاء المدة المحددة لاتفاقية التعاون ، وفي ظل البعد الظرفي الذي هيمن على نظرة كثير من المسئولين، كل أولئك جعل وضعية التكوين في تدهور ملحوظ ، إذ حصل لكثير من المؤطرين ما حصل للغراب في الحكاية الشعبية ، حيث نسوا وضعهم السابق ، ولم يقووا على السير وفق الوضع الجديد ، بل بقي بعضهم يجتر الماضي بكل كبواته وضعفه في سياق مطبوع بالسعي الحثيث نحو التجديد وتكريسه .وقد أتاحت كثير من اللقاءات الوطنية والجهوية الوقوف على الفرق الصارخ على مستوى الوعي البيداغوجي بين العاملين في المراكز ، بالرغم من اعتماد بعضهم على العصامية في التكوين وإصراره على العطاء .v عوامل الأزمة ومظاهرهاومما زاد في تعميق هذا الخلل وأزم الوضع بشكل لافت ما عرفته كثير من مراكز التكوين في بنيتها الإدارية في ظل تشريع تحكمت فيه اعتبارات غير علمية ولا موضوعية ، إذ علاوة على حذف كثير من المهام المطردة بها ، مثل مهمة الحارس العام والمعيدين ، ومهمة مدير الدروس في الكثير منها ، فإن نزعة الإقصاء في إسناد مهمة المدير تبدو واضحة ، لأن خبرة هيئة التدريس مهما بلغت لا تؤهلهم لشغل المهمة ، وأقصى ما يمكنهم إدراكه هو التكلف والقيام بالأعمال عند الضرورة ، ووقت الحاجة ، وهكذا فالمؤهل وحده هو من يملك إطار مفتش ، بغض النظر عن علاقته بالمركز وخبرته بشئونه . الأساتذة إذن محكوم عليهم بالخضوع للتجارب التوجيهية ، كلما أسندت مهمة الإدارة لإطار جديد محكوم عليه بالجمع بين مهمة التدبير اليومي للموارد البشرية ، والشئون التربوية والإدارية بما تتطلبه من وعي وثقافة تربويين عميقين ومتخصصين في ذات الوقت ، ثقافة تخول لصاحبها المعرفة بجديد التربية أولا من خلال الاطلاع على مستجدات البحث فيها ، والمعرفة بحاجات المجتمع ثانيا ، وما يمكن لمراكز التكوين أن تقوم به من دور في تحقيق التنمية البشرية ، عبر إعداد أطر كفأة ، قادرة على المساهمة في وضع اللبنات الصلبة لمجتمع الغد ، والمعرفة ثالثا بمقتضيات التواصل التربوي والاجتماعي والمهني ، فضلا عن الخبرة الميدانية التي لا يكفلها إلا الإيمان العميق بالرسالة وشروط النجاح فيها . ولعل غياب هذه الشروط والمواصفات هو ما يجعل مهمة التدبير الإداري والتربوي أكثر عسرا ويقف حاجزا أمام نجاح كثير من أطر الإدارة في مهمتهم أو يعقدها في أقل الحالات.إن وضع مراكز تكوين مدرسي التعليم الابتدائي ، خاصة في مجال التكوين والتأطير معقد ومختل للغاية ، إذ يشمل تركيبة هجينة تشمل أدنى سلم تعليمي وأعلاه ، لكن في وضع تأطيري واحد ، خلافا لمؤسسات التكوين التابعة للتعليم العالي وغيره ، وهو وضع لو تم استثماره إيجابيا لخلق بنية تكوينية جيدة ، لا سيما وقد أبدى الكثير من الوافدين عليها من حملة الإجازة رغبة في تعميق تكوينهم وإعداد أطروحات جامعية من شأنها تسليط الأضواء على ظواهر وحالات خبروها في الميدان ، ومن شأن البحث فيها أن يهيئ الفرصة لصياغة تصور تربوي أكثر نضجا وفاعلية .أما حاملوالدكتوراه، وهم عدد مهم بالمراكز، فإن انسداد آفاق البحث الموجودة أمامهم،وانعدام فرصه وفرص التشجيع عامة، يجعلهم أبعد عن المساهمة الفعلية في تطوير البحث الأكاديمي وتنمية البحث التربوي ، مع ما يستشعرونه من غبن في إدارة شئونهم قياسا إلى نظرائهم من العاملين في التعليم العالي . وخلافا لما كان يتطلع إليه العاملون بالمراكز من فتح آفاق البحث أمامهم لتوظيف خبراتهم التربوية ، فإن ما عرفته المراكز من هدر على مستوى تدبير الموارد البشرية ، سواء بعد فتح الباب على مصراعيه للمغادرة الطوعية بحسابات مادية صرفة ، أو من خلال إجراء إعادة الانتشار في حق الكثير من الأطر، أثر بشكل بين على التكوين برمته وبرز على مستوى المردودية . يمكن تلمس ذلك بوضوح من خلال الوقوف على طبيعة المستفيدين من المغادرة ، وضعياتهم الإدارية ، تجاربهم وخبراتهم ، مستوياتهم العلمية ، قياسا إلى الكتلة المتبقية ، مثلما أثر على مردودية الملتحقين بالتعليم الثانوي والإعدادي بسبب التغيرات المتعددة التي عرفتها البرامج التعليمية في السلكين معا والتي لم يواكبها العاملون بالمراكز ، وهو ما يستدعي إعادة تكوينهم مثلما هو مألوف في الأنظمة التربوية التي تحترم نفسها وأطرها .ويبقى الشكل الحالي لنظام التكوين والذي لا زال قيد التجريب ، بالرغم من الوقت المنصرم في العمل به لن يكون مهما قادرا تجاوز سلبيات سابقه ، إن لم نقل متخلفا عنه وناقصا ، سواء من خلال برنامجه الذي لم يناقش بشكل معمق ، ولم تساهم فيه كل فعاليات التكوين ، ليأتي متضمنا هفوات كثيرة لا يسعف المقام في الإشارة إلى بعضها ، بعيدا عن تطلعات هيأة التكوين والتأطير، غير مستجيب لحاجاتها وإمكانياتها ، غير مناسب للشروط الموضوعية والذاتية التي يتم العمل فيها ، ولم يبن على تقييم دقيق لسابقه ، بل إن ما اعتمد فيه من أسس طبع بطابع الهجنة والميوعة من الناحية البيداغوجية ، فقد استند صانعوه إلى الأندراغوجيا في تحديد حصص التكوين وأزمنته ، متناسين أن الأمر يتعلق بمتكونين لهم معارف ومعلومات وقادرين على التعلم الذاتي ، وهو أمر مفارق ، كما أنهم دعوا إلى البحث التربوي ـ وهو أمر مهم ومفيد ـ لكن بتسميات تكشف عن اضطراب مضمر في التصور وتنعكس على الإنجاز ، حيث أراده بعضهم أن يكون مجرد تقرير عن مشكلة تربوية ، في حين أراده آخرون أن يكون مشروعا شخصيا يبرز من خلاله الطالب منظوره الخاص لقضية ما أو موضوع تربوي ويبين عن مؤهلاته وإمكانياته ، في حين ذهب البعض الآخر إلى أنه ينبغي أن يحمل مواصفات البحث التربوي بما هو نشاط أكاديمي يتوقف النهوض به على قدرة على التأطير والتوجيه والمتابعة ، وتلك أمور تستدعي إعادة النظر كليا في المراكز لتكون مؤسسات لإنتاج المعرفة البيداغوجية وحسن تصريفها اعتمادا على مؤهلات ضرورية لا يتسع المقام لسردها . وإذا كان هذا الوضع قد خلف استياء ملحوظا لدى ما تبقى من الأطر ، فإنه خلق وضعا إشكاليا في بنية التكوين ، يتمثل في صعوبة استقدام أطر بديلة ، فضلا عن صعوبة تأهيلها للقيام بمهمة التكوين ، كما يتمثل في صعوبة النهوض بالتكوين في كثير من المراكز في ظل المستجدات التي عرفتها بنية الاستقبال ، وقد بدا أثر ذلك في اضطراب مباراة الدخول إلى المراكز ، خاصة على مستوى المقابلة الشفوية ، وتشكيل لجنها ، والمحاور التي استهدفتها لتقييم خلفية الممتحنين المعرفية وغيرها ، خاصة وأن شهاداتهم الجامعية متباينة التخصص ، بل إن تخصصات بعضهم تكشف في جوهرها عن عمق الهدر ، إذ ما الذي سيستفيده مجاز في شعب تقنية أو علمية أو في الحقوق أو الاقتصاد أو اللغة الألمانية أو الإسبانية ... مما تعلمه سابقا ، وأي مجال أمامه لاستثمار مؤهلاته . ولعل شعور المعنيين منهم يكشف بجلاء عن الاستخفاف الذي يواجههم وهم يسألون في مجال معرفي يجهلونه أو ما يملكون من معرفة به بعد العهد بينهم وبينها .أما البنية التحتية لمراكز تكوين أساتذة التعليم الابتدائي فلا تقل تعقيدا عما سبق ، إذ على الرغم من هشاشتها ، وعجزها عن الاستجابة لمتطلبات التكوين في صيغته الحديثة ، فإن ذلك لم يثن بعض الجهات عن تحويل المراكز عن غاياتها الأصلية ، متجاهلة الأدوار الطلائعية التي قامت بها حين أعدت أجيالا مهمة من أطر المغرب ، هكذا اتخذ مركز الرباط التاريخي مقرا للأكاديمية وقزمت مراكز أخرى مثل القنيطرة وأكادير أو حذفت من خريطة التكوين نهائيا ، حيث يبدو للمتأمل في المشهد التكويني بالمغرب وكأن هذه المؤسسات استنفذت مهماتها، في الوقت الذي ظلت فيه كثير من المراكز تشكو العجز والضيق ، وظل العمل بها في وضع بئيس : لا قاعة للمطالعة ، ولا للاجتماعات ، لا أندية ، ولامختبرات ، لا قاعات للعروض ، ولا للوسائل السمعية البصرية لا مكاتب ، لا ساحات للرياضة ...وأما ماظلت تحتوي عليه بعض مراكز التكوين من تجهيزات أنفقت عليه الدولة من المال العام الشيء الكثير ، فقد أصبح بفعل الزمن والاستعمال معرضا للتلاشي والضياع ، حيث لم تتوفر لبعضه فرص الاشتغال إطلاقا والبعض الآخر منه خضع للاستعمال الشخصي ، ضد على مصلحة البلاد والعباد ، وفي غيبة من المراقبة والمحاسبة . والأمثلة على ذلك كثيرة ، من خلال ما عرفته كثير من المؤسسات من تجهيز بالعتاد المعلوماتي الذي كان يبشر بانخراط قادم في مجتمع المعرفة والإعلام ، لكن ذلك لم يحصل مع الأسف ، نتيجة نزعة المحافظة التي كبلت العديد من المسئولين ، وفوتت على المراكز فرص النهوض والتقدم .v سؤال الأفق إن الوضع الذي عاشته مراكز تكوين أساتذة التعليم الابتدائي وفي الخمس سنوات الأخيرة على وجه التحديد ، والذي لا زالت ملامحه تلوح في الأفق ، يستدعي من كل غيور على التعليم ببلادنا ، خاصة من الذين هم في مستوى صناعة القرار ، أن يبادروا بإجراءات استعجالية من شأنها تدارك الوضع القائم ، باختلاف سلبياته ، واضعين في اعتبارهم أن مصير الأمة يحسب بأقل من الثواني وليس السنوات ، وأن ضياعا سنة تكوينية ، أو نقصا أو خللا فيها، لا يمكن تدارك وطأته بسهولة ، ما دام الأمر يتعلق بتكوين أطر سيلعبون دورا مركزيا في صناعة المستقبل .وإن الإجراءات الكفيلة بتجاوز واقع المراكز لا يمكن أن تستقيم إلا بإشراك الفاعلين المباشرين والاستماع إلى رؤاهم ومقترحاتهم ، مهما صغرت ، فتجاربهم على اختلاف مستويات عمقها كفيلة برصد حاجات التكوين وضروراته ، بعد قراءة نقدية للتجارب السابقة واستحضار النقط المضيئة فيها ، مع الاستفادة من تجارب الأمم التي تفاعل النظام التربوي المغربي معها ولا زال ، وإن المسئولية التاريخية والوطنية يقتضيان محاسبة موضوعية للوقوف على الخلل ومكامن الداء ، ذلك أن مجال التربية والتكوين لا يقبل بغيرمعايير التجديد والتأهيل والفعالية والنجاعة ، فهل نحن قابلون للأخذ بذلك ؟ |
|