يحي دحان
ثانوية عمر بن الخطاب الاعدادية
بركان
عرف العالم تحولات عميقة اقتصادية و تكنولوجية شملت مختلف المناحي، أوجبت التعامل و التفاعل الإيجابي معها،.و كان حريا بمنظومتنا التربوية أن تراهن على الجودة كخيار قادر على جعل التعليم يتلاءم و الحياة اليومية و على تنشئة إنسان صالح فاعل و متفاعل مع واقعه و محيطه بكل إيجابية ،و مؤديا دوره بالشكل الأنسب،إذ لم تعد االمدرسة المحتكر الوحيد للتربية ، و أصبحت تتقاسمها أطراف متعددة تتفاوت درجة تأثيرها بين السلب و الإيجاب .
فالتربية أصبحت عملية تقوم بها الاسرة و المؤسسات التعليمية و مؤسسات الشغل و المؤسسات السياسية و كذلك و سائل الإتصال على اختلاف أنواعها،إلا أن الجميع يرمي بالكرة إلى المؤسسات التعليمية محملينها كل أسباب التدهور و التردي ،في حين أن الوضع التربوي ليس مسؤولية قطاع التربية و التعليم وحده،بل هو مسؤولية تتقاسمها كل االأطراف الفاعلة في المجتمع و المتدخلة بشكل أو بآخر في حياة الطفل.و لكن يبقى في آخر المطاف دور الريادة و القيادة للمؤسسة التعليمية كعنصر مؤهل للقيام بهذا الدور التربوي التعليمي أكثر من غيره للإنتقال بالتلميذ من متلق يتلخص دوره في حفظ المعلومات من المناهج و المقررات و تخزينها في الذاكرة و استدعائها وقت الإمتحان ،إلى مشارك فاعل و خلاق يناقش و يحاور و ينتقد ويتعامل مع التكنولوجيا الحديثة و يسهم في إنتاج المعرفة و تطويرها.
في هذا الخضم يأتي دور الأسرة كفاعل أساس ومتدخل مباشر في حياة التلميذ و في العملية التربوية ككل،و لكن السؤال الذي يطرح نفسه بحدة و إلحاح شديدين:ما علاقة الأسرة بالمؤسسة التعليمية؟و إلى أي حد تساهم الأسرة - في شخص جمعية آباء و أمهات و أولياء التلاميذ –في تجويد العملية التربوية حتى تجعل التلاميذ متشوقين لعملية التعليم و التعلم ،مشاركين فيه بشكل إيجابي محققين لذواتهم و منمين إبداعاتهم و اكتشافاتهم؟ و ما دور الإدارة التربوية- في شخص الحارس العام –الذي يعتبر قطب الرحى و الوسيط بين كل الأطراف في تذويب الجليد القائم بين المؤسستين ( الأسرة/المدرسة ). فالإدارة الناجحة تعني نجاح المسيرة التربوية ،و الإداري الناجح من يسعى جادا و جاهدا في البحث عن سبل تحسين وضعية مؤسسته و تهييئ الظروف الملائمة بتذليل الصعاب و تيسير الأمور و تحسين العلاقات العامة بخلق الأجواء التربوية الملائمة بما توفر لديه قل أو كثر باستحضار قول رسول الله صلى الله عليه و سلم " من اجتهد و أصاب فله أجران ، و من اجتهد و أخطأ فله أجر الاجتهاد .و قول الشاعر:
إذا أنت لم تستطع شيئا فدعه و جاوزه إلى ما تستطيع
لأن الإدارة و خصوصا التربوية منها في حاجة إلى الكفء من الرجل المعد و المؤهل مسبقا ،إذ الأمر ليس كما يبدو من حيث السهولة و اليسر ،فهي توجيه و قيادة و ضبط لمجموعة من الناس لتحقيق هدف مشترك.
و قبل الحديث عن الحارس العام و علاقته بجمعية الآباء و امكانية التعاون بينهما لتحقيق الجودة المنشودة ،نعوج قليلا على علاقة الحارس العام بالتلميذ ،هذا الأخير الذي أصبح محور الفلسفة التربوية الحديثة ،غير أن الملاحظ أن هذا التلميذ كان و لا يزال مغيبا و محكوما بعقلية متسلطة و قوانين رادعة و إملائية تجعله يشمئز من المدرسة و من أطرها ،إذ يرى في شخص الإداري ذلك الشخص المتسلط الذي إنما وجد إلا ليردعه و يزجره و يراقب حركاته و سكناته،و ما يزيد الطين بلة هو تزامن تلميذ مرحلة الإعدادي مع مرحلة المراهقة- بداية النضج و إثبات الذات –الشيء الذي يحتم على الحارس العام فهم هذه المتغيرات و وعيها و التعامل معها بكل حكمة و تبصر" و يركز على فاعليته و حاجياته النفسية و العقلية و الجسدية و الإجتماعية و استهداف نمو قدراته و مهاراته" (المجلة التربوية ع7ص41) بتنسيق مع الأسرة الغائبة الحاضرة بشكل مستحي في مكتب جمعية الآباء الذي و للأسف الشديد لا يؤدي أي دور في أغلب مؤسساتنا التعليمية إذا استثنينا تحصيل الأموال في بداية السنة و القيام ببعض الإصلاحات الخجولة بين الفينة و الأخرى.و من خلال تجربتي المتواضعة كحارس عام جديد ،فقد راسلت ما يزيد عن الأربعين أبا و وليا في شأن نقط أبنائهم و سلوكاتهم فلم يستجب منهم إلا سبعة أشخاص ،و هذا" يعني شبه استقالة تامة للآباء و الامهات من مسؤولياتهم التربوية،و اصبح هَمّ هؤلاء يتركز حول توفير الخبز و الملابس للأطفال،و حتى اعتناؤهم بأطفالهم في الجانب الدراسي لا يتعدى مجال التحصيل الصرف للمعارف و المعلومات الممكنة من النجاح " مجلة النداء التربوي ع9 ص 3 السنة 3/2000.
و رغم كل هذا،فالحارس العام ملزم بالبحث عن توسيع قنوات الإتصال بين المؤسسة التربوية و الأسرة ،سواء كجمعية أو أشخاص ،و أن يرمم الجسور التي تهدمت ،و ذلك بالتحاور مع التلاميذ و آبائهم و أوليائهم مفهما إياهم بأن اليد الواحدة لا تصفق ،و أن هم التلميذ يتحمل تبعته المجتمع ككل باعتباره رجل الغد و حامل مشعل التشييد و البناء،و لا بد من التأكيد أن المدرسة الحديثة ترحب بهم و تدعوهم إلى المشاركة و الإسهام في العملية التربوية لأبنائهم،كما على الحارس العام أن يوسع صدره ويحسن استقبالهم و أن يحثهم على تكرار الزيارات أو الإتصال بأي شكل من الأشكال التي تضمن تتبع أعمال التلاميذ.
و إذا كانت جمعية الاباء – ممثل الأسرة – شريكا لابد من تواجده و إشراكه في العملية التربوية التعليمية،فقد آن الأوان لتفعيلها و إعادة النظر في هيكلتها و اختصاصاتها و علاقتها بالإدارة التربوية فأغلبية مكاتب جمعيات آباء و أمهات و أولياء التلاميذ يعرف ركودا و جمودا ،إذ لا يتعدى الحضور 27 أبا في مؤسسة تعليمية يفوق تعداد تلاميذها الألف تلميذ بنسبة 0،24%.و هذه النسبة لا تسمح بتشكيل مكتب قانوني رغم تأجيل الإجتماع لمرات عديدة،فينبثق عنه مكتب ليس بينه و بين التربية إلا الإحسان و لا يحسن غير تحصيل الأموال و تجميدها إذا استثنينا بعض الترميمات الخجولة هنا وهناك.
لذا بات من الواجب تعميق الدراسة في سبل تفعيل هذه الجمعيات بدءا من :
1- خلق حملات التوعية المكثفة عبر مختلف الوسائل من أجل التحسيس بدور الآباء في العملية التربوية التعليمية إذ يظن أغلبية الآباء أن دورهم ينتهي بمجرد إرسال الإبن إلى المؤسسة التعليمية .و أن زياراتهم للمؤسسة غير مجدية و تثير قلق الإدارة و الأساتذة ..
2- النظر في طرق قانونية تلزم الآباء و الأمهات الحضور في انتخاب مكاتب الجمعيات و حضور الدورات التي تعقدها بتنسيق مع الإدارة التربوية للمؤسسة.و لايتشكل المكتب إلا من أعضاء متعلمين لايقل مستواهم عن الإعدادي.
( النظر في إمكانية مطالبة مكتب الجمعية المنتخب في تقديم برنامج عمل (مشروع ) تتم دراسته قبل المصادقة.)ومن هنا نقطع الطريق على أعداء التربية و الإصلاح.
3-ا لقيام بدورات تكوينية لفائدة الآباء و الأمهات تحت إشراف أطر المؤسسة أو أطر مختصة تتناول علم نفس النمو أو سيكولوجية المراهق أو الطرق العلمية الحديثة في التربية التي قد يستفيد منها الاباء كثيرا في علاج و تعديل انحرافات اأبنائهم و شذوذهم.
4- محاربة الأمية لدى الآباء و الأمهات تحت إشراف أطر المؤسسة .
5- خلق أنشطة تربوية و ترفيهية داخل المؤسسة بشراكة مع التلاميذ و أوليائهم.استغلال المناسبات و الأعياد الوطنية و الدينية: مثلا( استغلال عيد الأم للقيام بيوم تأطيري للأمهات و تحسيسهن بواجبهن نحو الأبناء ...) ( أسبوع الغابة :القيام بحملة تحسيسية لأهمية الشجرة وتشجيع المتعلمين و آبائهم على غرس شجرة لكل واحد تحمل اسمه و تدون في سجل المؤسسة ..)
6- فتح قنوات الإتصال على مصراعيها بين أطر المؤسسة ( الإدارية و التربوية )بتنظيم اجتماعات دورية تعقد بين الفينة والأخرى لتدارس أوضاع المؤسسة و المشاكل التي تعترض الأبناء في التحصيل و التركيز أو عدم الإنظباط..
7- خلق شراكة بين المؤسسة و جمعية الاباء بوضع برنامج عمل ( مشروع المؤسسة ) و تحديد النقط التي ينبغي التعامل على ضوئها للرفع من المردودية و تجويد العملية التربوية التعليمية التعلمية.( سن تشريعات و قوانين للتعاون بين المؤسسة و البيت و توضيح نوع المساعدة التي يمكن للاسرة ان تقدمها للمؤسسة ) كما يجب على هذه الجمعيات أن تكون دائما حاضرة و متتبعة لنشاطات المؤسسة .
8- خلق خلية للتتبع والتفحص على مستوى الاكاديمية لأنشطة الجمعية و حلها إذا تبين أي تقصير في الواجب أو اانحراف عن الأهداف التي من أجلها أنشئت.
و على الحارس العام – باعتباره الوسيط في العملية التربوية – أن يبحث عن كل الوسائل و لا يذخر جهدا في تقريب الهوة و ربط الاتصال و قد لا يتسع المجال لخصوصيات كل منطقة و كل مؤسسة تعليمية ، و لكن بالصبر و العزيمة نتغلب على الصعاب.
هذه هي بعض المقترحات التي قد ترجع جمعيات الآباء إلى المسار الصحيح بغية اللحاق بالركب الحضاري وتجاوز العقبات التي تحول دون تحقيق الأهداف المتوخاة ،و تمكن كل من الاسرة و المؤسسة التعليمية أن يقيما بينهما علاقات متينة بغية تكوين هذا الكائن البشري تكوينا سليما في مبادئه و أخلاقه و أفكاره و شخصيته.فنجاح نظامنا التعليمي ليس رهينا بمكاتب الوزارة أو جدران المؤسسات التعليمية و إداراتها،و إنما هو ثمرة تكاثف الجهود و الانخراط الكلي لكل الاطراف الفاعلة في إصلاح التعليم الذي يعتبر مقياس تقدم الأمم .
فالجودة إذن ،ليست مجرد شعار نرفعه،بل هو هدف ننشده،و غاية مرجوة نسعى إلى تحقيقها،و على كل الأطراف الفاعلة في الحقل التعليمي أن تلعب دورها كاملا ،كل من موقع مسؤوليته و لا نركن إلى تبادل التهم و تحميل مسؤولية تدهور القطاع إلى هذا الطرف أو ذاك تاركين الهوة تتسع و أبناؤنا وسط هذا اليم المتلاطم تتقاذفه الأمواج و الثقافات الهدامة .و على كل طرف أن يؤدي دوره مجتهدا في ذلك ،قل أو كثر ،فالعبرة بالكيف وليست بالكم.