مفتش التعليم ودوره في الارتقاء بجودة التعليم-تتمة-
3 ـ دور المفتش في الارتقاء بجودة التعليم:
لا يكتمل الحديث عن دور المفتش في الارتقاء بجودة التعليم إلا بالحديث عن مستلزمات وشروط هذا الدور، لذا سنتحدث أولا عن مستلزمات تفعيل دور المفتش في الارتقاء بالجودة، لنعود بعد ذلك إلى دوره فيها.
1.3. المستلزمات والشروط المؤسساتية لتفعيل دور المفتش في الارتقاء بالجودة:
سأركز هنا على المستلزمات المؤسساتية التالية:
1.1.3. إيجاد منظومة قانونية متكاملة وشاملة خاصة بجهاز التفتيش تنظيما وتفعيلا، تحدد هيكلته بدقة وعلاقته بالأجهزة الأخرى ومسار قراراته فضلا عن تحديد قيمه الأخلاقية ومسؤوليته المهنية والقانونية.
2.1.3. ضما ن استقلالية جهاز التفتيش قانونيا وتنظيميا ووظيفيا، حيث الاستقلالية تمكنه من القيام بواجبه بعيدا عن أية ضغوطات إدارية أو علائقية أو مهنية. فلا يعقل أن تكون مثلا القيادة التدبيرية ( الإدارة ) هي سبب المشاكل وتريد تفتيشا يصارحها بواقعها! فهي كثيرا ما تصطدم مع قرارات التفتيش وتحيلها إلى الرف لأنها لا تسير وهواها.
والاستقلالية الوظيفية هي أساس من أسس منظومة التربية والتكوين المغربية بناء على الفقرة ( ب ) من المادة 135 من المجال الرابع الخاص بالموارد البشرية من الميثاق الوطني للتربية والتكوين القائلة بالحرف: ( تقوم السلطة الوطنية المشرفة على قطاع التربية والتكوين، تطبيقا لمقتضيات هذا الميثاق، بإعادة هيكلة هيئة المشرفين التربويين وتنظيمها وذلك:
ـ بتدقيق معايير الالتحاق بمراكز التكوين ومعايير التخرج منها؛
ـ بتعزيز التكوين الأساسي وتنظيم دورات التكوين المستمر لجعلهم أقدر على المستلزمات المعرفية والكفايات البيداغوجية والتواصلية التي تتطلبها مهامهم؛
ـ بتنظيم عملهم بشكل مرن، يضمن الاستقلالية الضرورية لممارسة التقويم الفعال والسريع، وإقرار أسلوب توزيع الأعمال والاختصاصات على أسس شفافة ومعايير واضحة ومعلنة؛
ـ بتجديد العلاقة مع المدرسين لجعلها أقرب إلى الإشراف والتأطير التعاوني والتواصلي ) .
فالميثاق الوطني للتربية والتكوين صريح بخصوص هذه النقطة، ويريد تفعيل دور جهاز التفتيش بما يسمح له القيام بمهامه على الوجه الأكمل دون تدخل من أية جهة معينة. ومن هنا نطالب بإعادة مراجعة الوثيقة الإطار بما يحقق هذا المبدأ بل الأساس. وكل إغفال للمراجعة يعد انحباس تفعيل جهاز التفتيش. بل أطالب شخصيا إلحاق جهاز التفتيش بالتعليم بنيويا وعضويا بالوكالة الوطنية للتقويم والتوجيه مادمنا أمام التقويم وإن كان الميثاق الوطني للتربية والتكوين في مادته 103 أغفل ربط تقويم المؤسسات وترتيبها بقناة التفتيش أو إن لم يتأت ذلك فإلحاقة مباشرة بالمفتشية العامة. وضمن استقلالية التفتيش؛ يمكن هنا أن نسوق تجربة بريطانيا في موضوع استقلالية جهاز التفتيش في التعليم؛ حيث ( نظام التفتيش من مسؤوليات مكتب المعايير التربوية Office for Standard in Education وهو جهاز يتبع للبرلمان مباشرة، ويرأسه مفتش ملكي بدرجة وزير (Her Majesty Chief Inspector) وتتضمن مهماته: اختيار طاقم التفتيش وتأهيله وتدريبه وتقويمه، كما تشمل مسؤولياته: وضع برنامج لتفتيش المدارس، إبلاغ المدارس بالجوانب التي يشملها التفتيش، البحث عن أفضل عروض التفتيش ومنح العقود، إعطاء النصح والتوجيه الذي يضمن نجاح سير عملية التفتيش، الموافقة على تحديد نوع التفتيش للمدرسة، إطلاع المدرسة على أسماء المفتشين المسجلين والمتعاقدين وفرقهم.
مهمات المفتشين وتوقيت التفتيش
جهاز التفتيش عبارة عن فريق مستقل من المفتشين المسجلين، والمعتمدين من مكتب تفتيش جلالة الملكة، ويعمل جميع المفتشين ـ مسجلين ومتعاونين ـ لحساب مكتب المعايير التربوية، ومنوط به زيارة المدارس وكتابة تقارير عنها، لا يملك أحد تغييرها باستثناء مكتب جلالتها للتفتيش.
وتختار المدرسة التي يستهدفها التفتيش عبر الحاسوب، وتتفاوت عضوية فريق التفتيش حسب حجم المدرسة ومرحلتها، ففريق التفتيش للمرحلة الثانوية يتراوح عدد أفراده بين 15 إلى 20 مفتشاً، أما فريق المدرسة الابتدائية فلا يتجاوز عدد أعضائه ثلاثة مفتشين، ويمكن لفريق التفتيش أن ينفذ زيارات لحوالي 4000 إلى 6000 مدرسة سنوياً.
ويقع توقيت التفتيش ضمن مسؤوليات مكتب المعايير التربوية ومهماته، فهو الذي يحدد إمكانية تفتيش المدارس في أي وقت. أما إدارة المفتشين المسجلين فمعنية بتنظيم مواعيد التفتيش مع المدارس، والحصول على جميع الوثائق ذات الصلة بالتفتيش من المدرسة، مقابلة أولياء الأمور بغرض إطلاعهم على طبيعة التفتيش، والإجابة عن استفساراتهم، وتدوين ملحوظاتهم، ومعنية كذلك بوضع خطة للتفتيش وتحديد واجبات الفريق واقتراحات أولياء الأمور ومرئياتهم تعد عنصراً أساسياً في أدلة التفتيش وعليها يبنى كثير من التقويم.
ويعد المفتشون المسجلون تقريراً نهائياً وملخصاً له بعد اكتمال التفتيش خلال مدة لا تزيد على خمسة أسابيع، وترسل نسخ منه إلى مجلس إدارة المدرسة، ومكتب المعايير التربوية، والإدارية المحلية للتعليم، وحاكم الولاية إذا كانت المدرسة تتلقى إعانة من الدولة.
وإذا حكم فريق المفتشين المسجلين على مدرسة بالضعف أو الفشل في تطبيق المقاييس الصحيحة والمحددة للتعليم، يرفع التقرير إلى رئاسة مكتب جلالتها للتفتيش للنظر في إمكانية الموافقة عليه أو رفضه، وتوجيه الفريق بإعادة التفتيش. ولمجلس إدارة المدرسة مهمات متعددة في هذا الشأن، تتمثل في تنظيم المقابلات بين المفتشين وأولياء الأمور، وتوزيع ملخص تقرير المفتشين عليهم، وإعداد خطة تبين كيفية تنفيذ التوجيهات والإرشادات التي حواها التقرير ) .
3.1.3. توفير البنية التحتية والوسائل اللوجيستية لأداء جهاز التفتيش مهامه المنوطة به وفق التشريعات والقوانين وأخلاق المهنة. وتحريك المرونة في توظيفها لصالح الأداء المهني.
4.1.3. التكوين الأساس والمستمر والذاتي المتين، المتحكم في المدخلات المهنية العلمية والمعرفية والمهارية والقيمية والفلسفية للمفتش. والذي يمكنه من النظرة الشمولية والنقدية والتواصلية للفعل التعليمي بما يضمن استمرارية هذه النظرة في أداء مهمة التفتيش.
5.1.3. توفير الموارد البشرية لجهاز التفتيش سواء ما تعلق بعدد المفتشين أو ما تعلق بالموارد البشرية الخدماتية المساعدة للمفتشين. كما يجب في هذا المضمار مناسبة عدد المفتشين بعدد أعضاء هيئة التدريس لأجل خلق شرط أساس في جودة أداء المفتش.
6.1.3. الوضعية المالية المناسبة لمهام المفتش، التي تضمن تفعيله في حقله المهني، بما يسمح له بالبحث العلمي والتكوين الذاتي، وامتلاك الوسائل والأجهزة التكنولوجية الحديثة بمختلف أنواعها المرتبطة بالبحث العلمي والتربوي.
2.3. المستلزمات والشروط الذاتية لتفعيل دور المفتش في الارتقاء بالجودة:
وسأركز هنا على المستلزمات الذاتية التالية:
1.2.3. البعد الأكاديمي في مهام المفتش؛ وهو وعي المفتش بمدى تمكنه من الحقل المعرفي الذي يؤطره بكل تفاصيله العلمية، النظرية والتطبيقية ...
2.2.3. البعد المهني من مهام المفتش؛ وهو وعي المفتش بمدى أهمية تمكنه من أدواته وآلاته التي يشتغل بها مهنيا. وتحقيق جودة أدائها إزاء تحقيق أهدافها في التأطير والمراقبة والتقويم ...
3.2.3. البعد البحثي من مهام المفتش؛ وهو أن يفتح المفتش دفاتره العلمية على التساؤلات من أجل إجراء بحوث علمية لكشف الحقائق الواقعية والعلمية التي تكمن في عمق المنظومة التربوية والتكوينية ...
4.2.3. البعد النقدي في مهام المفتش؛ وهو تفعيل المفتش النقد في أدائه العلمي والمهني، وعدم يقينه المطلق بمسلمات الفعل التعليمي انطلاقا من كون المعرفة الإنسانية معرفة نسبية لا مطلقة. من أجل التصحيح والتطوير والبناء ...
5.2.3. البعد الثقافي والاجتماعي في مهام المفتش؛ ويعني وعي المفتش بأهمية الثقافة الواسعة والعميقة التي يجب أن تسم شخصيته لما لها من أهمية في ترسيخ مبدأ المصداقية على أدائه المهني خاصة إذا كانت ثقافة تفعيل لا ثقافة تعمير، بمعنى تعمير الذاكرة بالمعلومات الكمية التي لا تغني ولا تسمن من جوع. ووعيه بأهمية البعد الاجتماعي من شخصيته خاصة فيما يتعلق بمعرفته ودرايته للتقاليد والعادات والعلاقات الاجتماعية والثقافة الاجتماعية للمجتمع عامة والمجتمع التربوي خاصة، من أجل توظيفها مهنيا.
6.2.3. البعد الأخلاقي في مهام المفتش؛ ويعني وعي المفتش بأهمية الأخلاق عامة وأخلاق المهنة خاصة، في تجسير العلاقة المهنية بينه وبين باقي مكونات المنظومة التربوية، وطبع قراراته بالمصداقية المهنية والأخلاقية. وتكون هذه الأخلاق ضمانة لممارسة سليمة وشفافة يرتاح لها الجميع...
3.3. دور المفتش في الارتقاء بجودة التعليم:
للمفتش دور هام في الارتقاء بالجودة من خلال الارتقاء بمداخلالها في النظام التعليمي، وذلك عبر مقاربة النظام التعليمي برمته. ولتقريب هذا الدور نضرب أمثلة فقط مؤشرات لذلك الدور الحيوي.
1 ـ الاطلاع على المنظومة القانونية والتشريعية للنظام التعليمي بعين المختص القانوني لدراستها دراسة عميقة لاستثمار إيجابياتها وتصحيح سلبياتها، فمثلا القراءة القانونية والنقدية لمفهوم اللامركزية واللاتركيز، محور التجديد القانوني في عشرية التربية والتكوين. تفيد انحباس هذا المفهوم في الجهة دون الإقليم، بل الأكثر منه أنه لا يمتد إلى البنية الأساسية في النظام التعليمي المغربي وهي المؤسسة التعليمية. وكذلك القراءة القانونية تفيد اختصاص المجلس التعليمي في اختيار الكتاب المدرسي بدل المذكرة الوزارية لتوزيع الكتب المقررة على التراب الإقليمي للنيابات. فهذا ضرب لمصداقية وقيمة التشريع المدرسي ومناداة صريحة إلى عدم احترام القانون !؟ ومن هنا نستشف دور المفتش في تجويد المنظومة القانونية للتعليم ...
2 ـ تعمق المفتش في البرامج الدراسية والكتب المدرسية قراءة ودراسة ونقدا، يضمن تجديدها بعمق معرفي ومهاري وتقني عال الدقة في إطار مزاوجة البعد المعرفي بالبعد الواقعي في القراءة والدراسة. وهذا يطلب من المفتش قبل القراءة أن يتسلح بالمعرفة العميقة لحقل المتن التعليمي وبالنقد الواعي بمسؤولية أهميته في جودة التعليم. فالدراسات والبحوث التي يقوم بها بعض المفتشين تشكل رافدا من روافد تصحيح هذه البرامج والكتب، وتشكل مرجعا علميا للوزارة لأجل الاستفادة منه بل تشكل قوة ضاغطة عليها من أجل الاعتراف بدور المفتش في المنظومة التربوية وفي جودة ناتجها...
3 ـ رصد المفتش الوضعيات التعليمية الصفية مدخل واسع لممارسة تحسين الخدمة التدريسية نحو الجودة، لما يقف عليه من اختلالات ميدانية وواقعية في تصريف المخطط من العملية التعليمية التعلمية عمليا في القسم. وبما يسمح له بالتدخل الفعلي للتصحيح والرقي بالأداء الصفي نحو الجودة؛ خاصة إذا كان التدخل محصنا بالعلم والخبرة والتجربة...
4 ـ إجراء المفتش البحث العلمي والميداني باب واسع إلى تجويد المنتوج التعليمي، فالقيام ببحوث علمية دقيقة كفيل بتغيير الواقع التعليمي نحو الأجود من المعرفة، ونحو الأتقن من المهارة، ونحو الأفضل من الأخلاق بل تركيز لثقافة البحث العلمي في الفكر التربوي وفي الممارسة الميدانية التربوية، الضامن الأساس لتطور منظومتنا التربوية والتكوينية ...
هذه إشارة خفيفة لدور بعض آليات تدخل المفتش في تجويد منظومتنا التعليمية، قصد تحسيس الوزارة بأهمية ومكانة هذا الجهاز في فعل التجديد، وبغية وعي المفتش بدوره الحقيقي تجاه الجودة من جهة أولى، وتجاه إطار التفتيش.
وأخيرا من أجل الإطار:
في هذا المقام الكريم، وبكل صراحة وصدق ومسؤولية، يجب علينا أن نتحمل مسؤوليتنا تجاه إطارنا لإحلاله المكانة المهنية والعلمية والاجتماعية المناسبة له؛ ولتفعيله حقيقة في المجال التعليمي بما يضمن تجاوز معوقات المنظومة التعليمية التعلمية.
المفتش التربوي الأستاذ: عبد العزيز قريش(تاونات)