مفتش التعليم ودوره في الارتقاء بجودة التعليم
إعداد
عبد العزيز قريش
مداخلة ستقدم في يوم دراسي
للمكتب الجهوي لنقابة مفتشي التعليم
بجهة: فاس ـ بولمان
قبل البدء:
في ظل العولمة الكاسحة للعالم كله، والقاضية على الضعيف في عقر داره، لم يبق هناك مبرر للاستكانة إلى المعتاد والتقليدي من الأمور، وإنما دعوة إلى الإبداع والجودة من أجل المنافسة، وضمان موقع في الوجود، الذي اليوم لا يعتمد في عمقه على الموارد الطبيعية فقط، ولكن على الموارد البشرية بالدرجة الأولى، المنبع الأساس لكل إبداع ومنافسة حقيقية.
والموارد البشرية مدخل تأهيلها بعد أنسنتها التعليم، والتعليم الجيد وحده الكفيل بهذه العملية، التي تعتبر من أهم وأخطر مهام التنمية البشرية والحجرية والبيئية. لذا وجب على الدول التي تريد أن يكون لها مكانا تحت الشمس أن تجري على نشئها تعليما جيدا، يؤهله إلى وظائفه الاجتماعية والمهنية والإنسانية في بناء البلاد، والعمل على تقدمه ضمن حركيته الطبيعية البعيدة عن التوترات والانفعالات المفتعلة.
وبما أني أخال المغرب واعيا بأهمية التعليم في تنمية موارده البشرية، أجده يفكر في جودة نظامه التعليمي؛ مما حدا به إلى إيجاد رؤية مغربية خاصة لسحنة نظامه التعليمي، تسمى الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وبعيدا عن موقفنا نحوه إيجابا أو سلبا، يظل رسميا معالم كبرى يوجه الميدان التعليمي إلى ما يجب فعله من أجل الجودة. وتظل الأجرأة ناطقا رسميا باسمه في الممارسة اليومية للفعل التعليمي، تتجاذبها الرؤى المختلفة والتيارات السياسية والنقابية والاجتماعية والثقافية المتنوعة. ويظل معها الخطاب الرسمي يبشر بجودة تعليمنا عبر تعداد مداخلها في نظامه، ويحتفي بها في مناسبات وتظاهرات احتفالية تحت عناوين مختلفة، من منتديات وندوات واجتماعات ... ومن بين مداخلها تجديد التفتيش في النظام التعليمي، لما لهذا الجهاز من دور فعال في تطوير نظامنا التعليمي بما يحقق الجودة. فترى هل استوفى تجديد التفتيش شروط ومستلزمات التفعيل نحو الجودة؟ وما مداخل التفتيش إليها؟ وما دوره فيها؟
وقبل الجواب عن هذه الأسئلة وغيرها من مباحث المداخلة أود أن أشير أنها مداخلة تختصر الطريق إلى أهدافها دون أن تتسم بالطابع النظري الأكاديمي، المشبع بالدراسات والتحليل والتنظير؛ في مقابل أنها تنحو حول الوعي بالدور الميداني والعملي للمفتش لتحريك مناشط الجودة في نظامنا التعليمي والعمل على تطبيقها في ممارساته اليومية. ومن هذا المنطلق سنعرج على نظرة موجزة ومركزه عن الجودة، لننتقل إلى دور المفتش في الارتقاء بالجودة.
1 ـ تعريف الجودة:
لن أتيه في تعريف الجودة اللغوي والاصطلاحي، لتعدده واختلافه بين مستخدميها، وإنما سأقتصر على تعريف إجرائي مناسب لحالة الإصلاح الذي يشهده تعليمنا المغربي، في عشريته؛ حيث أقول: " جودة النظام التعليمي هي مجموع مميزات وسمات وخصائص المنتج التعليمي، التي تلبي متطلبات مدخلات التعليم ومتطلبات سوق العمل فضلا عن متطلبات المجتمع. أي تفعيل المنتج التعليمي بتلك المواصفات والخصائص والمميزات في المجتمع استثمارا وأداء وخدمة ونماء بصورة أفضل وأدق وبكلفة أقل ".
ومن خلال هذا التعريف تكون الجودة:
أ ـ مميزات وخصائص وسمات المنتج التعليمي، وهي سابقة الوضع قبل المنتج، ومحددة بدقة في بنود واضحة وشفافة، قابلة للقياس.
وعليه يمكن القول بأن نظامنا التعليمي حدد مواصفات منتجه التعليمي من خلال الكتاب الأبيض، ومن خلال دفاتر التحملات التي تذكر بها المؤلفين.
ب ـ تحقيق لمتطلبات المدخل التعليمي خاصة منه المتعلم، الذي يدور فعل التعليم حوله بل يشكل لبه وعمقه، بجانب تحقيق متطلبات سوق العمل ومتطلبات المجتمع. وهنا يقع السؤال الكبير على تعليمنا: هل يحقق ما يطمح إليه المتعلم ويضمن تحقيق القادر المتعلم والكفء لسوق العمل إزاء تحقيق مواطن مندمج في مجتمعه متكيف مع مختلف وضعياته؟
ج ـ استثمار المنتج التعليمي في المجتمع من أجل أداء خدمة على أعلى مستوى من النوعية والكمية بشروط أفضل، بما يحقق الدقة والإتقان والصلابة في العمل ومنتجاته. ومن كينونة الجودة هذه، ينبثق السؤال التالي: هل المجتمع المغربي يستثمر منتجه التعليمي ويفعله في ميدانه؟
إن هذه الأسئلة تبقى مفتوحة على الحضور الكريم قصد تقييم الوضع التعليمي وهو في سنته السابعة من الإصلاح. ولعلها تثير فينا بواعث وحوافز البحث العلمي الميداني، للتحقق من أطروحاتنا النظرية التي كثيرا ما تغنينا بها، والذي يعد من أساسيات الجودة.
2 ـ مداخل الجودة في نظام التعليم:
مداخل الجودة متعددة في النظام التعليمي، نتطرق إلى بعضها دون التفصيل فيها. ومنها مثالا لا حصرا:
1.2. المدخل القانوني؛ وهو مدخل يتطلب تحريك قوانين النظام التعليمي نحو الأفقية لا العمودية، ونحو المرونة لا الصلابة، ونحو التطور لا الجمود والسكون، ونحو الإشراك لا التفرد، ونحو اللامركزية واللاتركيز في مستوى المؤسسات التعليمية، لأنها الوحدات المباشرة التي تسدي الخدمات للنشء، والأكثر التصاقا به مع إضفاء الاستقلال المالي والوظيفي عليها. ولا يمكن القبول في ظل دعوى الإصلاح والتجديد بالقرارات الانفرادية وإلغاء مشاركة القواعد في اختيار الكتاب المدرسي على الأقل في مستوى المؤسسة التعليمية كما ينص عليه اختصاص المجلس التربوي والمجلس التعليمي؟! أو القبول بسيطرة الفكر الإداري على الفكر العلمي وإقصائه من المشاركة في الحكامة ...
2.2. مدخل البنية التحتية؛ وهو مدخل أساس يتطلب تطوير البنية التحتية للتعليم في الشكل والمضمون، فتصبح المؤسسات فضاءات تستجيب لتغيرات الفعل التعليمي سواء ما تعلق منها بشكل الفضاءات المختلفة في المؤسسة أو في مضمونها؛ حيث شكل قاعة مرتبطة بالإنترنيت غير شكل قاعة مخبرية ... ومضمون قاعة متعددة الاختصاصات غير مضمون قاعة الأنشطة الثقافية أو مضمون قاعة درس اللغة ... وهكذا. ولا يعقل في مقامه أن ندعي تطوير المدخل الديداكتيكي للفعل التدريسي من بيداغوجيا الأهداف إلى مدخل المقاربة بالكفايات ونحن نحتفظ بشكل قديم في ترتيب فضاء القسم وفق ترتيب ناقلة المسافرين بدل ترتيب تقنيات التنشيط المتساوق مع المقاربة بالكفايات!؟
3.2. مدخل التجهيز؛ وهو مدخل يستدعي تجهيز المؤسسات وغيرها من المصالح المركزية والجهوية والإقليمية تجهيزا متميزا في النوع والكم، وعصر الطاولات الحاملة لأربعة تلاميذ في نفس الوقت أو الاثنين على الأقل قد ولى، وجاء عصر الطاولة المستقلة التي تسمح بالحركة والتنقل وفق الخطة التعليمية، وعصر الحاسوب الشخصي والجماعي، والسبورة المتحركة والكتاب الرقمي، والأقلام المتنوعة بدل الطبشورة، وعصر الكتاب وفضاءات القراءة والبحث، وعصر المعامل التطبيقية والمختبرات العملية ... فتجهيزات عصر التجديد والتطوير غير تجهيزات الترميم والترقيع...
4.2. مدخل الفعل الأكاديمي؛ وهو مدخل المعايير والمميزات العلمية والمهنية والبحثية الأكاديمية العالية والممتازة، لتخطيط وأداء الدرس التعليمي فضلا عن التخطيط العام للنظام التعليمي بما يحقق خدمة عالية الجودة للنشء ... ولا يستقيم إدعاء الجودة مع كتب مدرسية أغلبها أخطاء علمية ومنهجية قاتلة للعملية التعليمية التعلمية أو وجود مفارقات بين التنظير والتطبيق، أو بين الخطاب والواقع ...
5.2. المدخل الاجتماعي؛ وهو مدخل خدماتي، يركز على تقديم خدمة عالية للجودة للمكونات المجتمع بما فيها سوق الشغل. ولا يعقل إنتاج منتج تعليمي غير ملائم لما في سوق العمل أو لما في المجتمع، وانحباس طاقته في ذاته دون ملاءمتها مع حقول الوظائف المهنية أو العلمية في المجتمع ...
6.2. المدخل الفردي؛ وهو مدخل يركز على حاجات المتعلم الشخصية والفردية الواقعية والمحتملة، ويعمل على بناء شخصيته بما يحقق متطلباته الحالية والمستقبلية عبر تقديم تعليم جاد ونافع ومسؤول. ولا يمكن القبول بلغة التجديد والإصلاح في ظل انكفاء المتعلم عن التعليم أو قبول به كرها دون أن يجد فيه نفسه، ويحقق طموحاته العلمية ومهارية والأخلاقية ...
7.2. مدخل الموارد البشرية؛ وهو مدخل متعلق بتأهيل وتمهين وتحسين أداء الموارد البشرية في النظام التعليمي، وخلق الجسور لتبادل الخبرات والتجارب والمعلومة ... وتفعيل الفرد البشري في النظام التعليمي بما يحقق ذاته ضمن إطار من العمل الجماعي بواسطة الفريق. وهذا يرتكز أساسا على تحسين موارد الفرد البشري العلمية والمهنية والمالية، وتوفير الشروط والظروف المناسبة لمهامه، حتى يؤديها بأعلى درجة من الإتقان. وفي ظل التجديد لا يعقل وجود فوارق فاحشة في الإطار نفسه مما يحبط الهمم ويدعو إلى الكسل والخمول بل التفرقة ...
هذه المداخل وغيرها في عشرية التجديد والإصلاح مسها التحديث، لكن مازلنا لم نقف لحد الساعة على نتائجها العامة الواقعية والعملية والتطبيقية عبر دراسات مسحية للوطن كله، وإنما بدأت تظهر بعض إرهاصاتها الأولى مع السنة السابعة من عمر العشرية؛ حيث تفيد الدراسات التي قمنا بها في حقل الكتاب المدرسي عدم وجود فارق نوعي بين نتائج الكتاب الوحيد ونتائج تعدد الكتاب المدرسي، نتيجة وجود اختلالات كبرى في تطبيق مبدأ جودة الكتاب المدرسي وتطبيق مدخل المقاربة بالكفايات وغياب تمهين التأليف المدرسي ...
وهذه المداخل في تعليمنا مناط بحث مفتش التعليم بمختلف فئاته وأصنافه؛ للوقوف على وجوه الجودة فيها من عدمها، للتوجيه والإرشاد والتصحيح خدمة للنشء والنظام التعليمي معا.